الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

و أمطـرَ البياضُ في الأخـير...



لم يمطر الياسمينُ..
عانـقٌـتْه الشمس و ذهـبتْ، تـبحثُ لها عن ظلال أخرى هناك غربـاً.
كانت السماء مشرِفةً على الصفاء، يغمرها بالدفء فـتـتـشظّى الألوان خلف البنايات الشامخة.
ما كان الفيض عابراً، و ما كان العطر نافذاً أيضاً..
ظل البياضُ الوحيدُ مشرقاً وسط شقوق العتمة المنتكِسة.. يرفع رأسه عالياً في سموٍّ مرهق، ثم تنحـني الوريقات في حنوٍّ لتغـفـو على اخضرارٍ متسلّق..
اعتقـلـتْـني وريقاتٌ يشاكسها اصفرارُ الحواشي.. رنـتْ إليّ و كأنها تعْـلم ما خالج خاطري من امتقاعٍ لمرأى الموت يتسـلّـل ملوَّناً، إلى انثناءات أحلام ياسمينةٍ شفافة.. لو أردتُها أن تكون لي.. لكانت، يجلِّـلُ البياضُ رقَّتَها المرتعشة.. ويشّذِّب صفاءها بعضُ الوهن  الباهت..
لكنّي أردتُها أن تظلَّ هناك، حيث هي.. يانعةً تشرِف برفعةً على آخر السكرات..
.. يطالعـني سخاؤها، يصلُـني عبيرهُ فينـتعش قلبي، و تومض في ذاكرتي لوحاتُ طفولةٍ منفـلتة.. مرّت مارقةً كشهابٍ مُلـتَمع في طرفة عين..
كم لكِ من حياةٍ فيَّ.. كم لي من موتٍ فيكِ..
ها أنا الآن أحملُـكِ في عمقِ حنينٍ أداريه، إلى طفلةٍ كانت تشبِهني، ذاتَ تبرعُمٍ أبيضَ أغرتْهُ الألوان و خذلـتْهُ المرايـا.. فامتـدّت إلـيه من خلف السحاب ألف بابٍ و باب.. و ما أنصفـتْه المفاتيح الكثيرة..
.. يا لخسارات النُّضجِ الثّقيلة.. يا لمكر الأماني الصغيرة.. نُخْـفيها تحت الوسادة في الطفولة اللاهـية.. و نترك الأحلامَ تحرسُها من أعين المتطفّـِلين
ما أكرمكِ زهرتي.. و ما أبخلني فيك..
لم أُقْـبِـل عليكِ لأعانِقـكِ و أطوي على أهدابِكِ لـفْح حنيني.. فاعذريني..
خشيتُ عليكِ منَّي.. فاغفري لي..
أعـفـيْتُ خدّيْكِ من قبلةٍ تخطفُ منكِ كلَّ الرحيق، أو تقـتـنِص من نعـومة بياضكِ بعض الشهيق.. و ما خشيتُ عليكِ من إيـناعِ الصيف القصير، أوْشكَ أن يفارقـكِ، و يتركَ للأنين أن يستوطنَ الغدير..
.. تلك السويعات ما أثمنها أتحسَّسُ انصرامها بضيق لا يـميل.. تلوّحُ ماكرةً بانتهاء المسير.. تفصلني عن ذبولـكِ.. تبعدني عن لـثمِ مفرِقِك.. هناك في منبتِكِ الأثير..

الأربعاء، 5 أكتوبر 2011

قـبلةٌ دامـيـة

حين مالت على يُـبْـسِه برقةٍ لتلـثُمه، دهستْها سيارةٌ مسرعة.. لم تعرف قطعةُ الخبزِ الملقاةُ ثانيةً على الإسفلت، أيَّ غموسٍ دافئ ذاك الذي غمرها!..

الأحد، 2 أكتوبر 2011

لم يذْكُرني الغياب حين انتحَلْـتَه..

لم يذْكُرني الغياب حين انتحَلْـتَه..
للحزن، حين يغمرنا متدفِّقاً من أقاصٍ نجهلها، نكهةُ حنينٍ إلى توازن أضعناه ذات انسلال نحو المجهول.. ذاك الغريبُ الجديدُ البعيدُ الذي أغوانا بمفاتن الدهشة، و أَنْـكَـرَ منّا لاحقاً، حين امتطينا شهابه، كلَّ هذا الانجراف.. أكلّما هدَّ الاجتياحُ مخزونَ العتـاقة فـينا.. شدا بالشجن إكـليلُ الجبل الذي وضعناه هناك في الزاوية، مندسّاً خلف خيط أبيض عساه يذكِّـرنا بأرجوحة بيت الجدة القديم..
.. عجباً للأماسي.. لا تُقبل على غروبٍ توهّمناه لأحزاننا، إلا بلـفحِ انبساطٍ يغرينا ثانيةً، بالغوص عميقاً في انبجاس وجعٍ جديد.. كم يلزمنا من ألـمٍ كي نـنسى أنّنـا هنا زِنادُ الألـم...
قطعاً لا يملُّ منّا الانتظار.. يتركنا دائماً على أهبة الاستعداد، مخافة مروق اللحظة دون أن تمتطينا. لم تكتمل بعد متاهة الحزن و الفيء بعيد بعيد..
للسواقي انطلاق مشبوه بالمرح.. و للروابي سكون اعتقال الياسمين.. لم يذْكُرني الغياب حين انتحَلْـتَه.. نكايةً بلهفتي..  
أشتاق إليك أيها الشامخ..
حين يغريني الشوق بالعودة إلى مدارجَ للعشق هجرتُها مكرهَةً كي لا يحرقـني لهيـبك، أغـبط الماء على صفاء هو له.. و أغرقُ فيك أكثر، و أنا ألعن حبِّي لك.. فكلّما شذّبتُ جنوحي فيك نحو الجنون، يحملني الوجع إلى آثار أمـقتُ انفلاتها، توهّمتُها انزاحت يوم رحلْت بغروركَ المشاكِس..  
.. في القلب شوق لا تخـمُد نيرانه أبداً..
و أنت على مسافة سفر.. هناك، أكتوي بلفح غيابك، و أخرِس أنيني بنبرات صوتك أقتنصها خلسةً من هاتفك الذي يمعنُ في نسياني..
.. كم أحبّك.. لو تدري..
و أنت على مرمى قبلةٍ.. هنا، يهزمني كبريائي فأغوص عميقاً في حضورك، و أنسى الوعد السرّي الذي أزهر متكتِّماً في انتظارك..
.. لو أحبّك.. فحسب كمّ ما تدري... 
                                                                               19-9-2011